/ الفَائِدَةُ : ( 1 ) /
06/04/2025
بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / حُجِّيَّةُ الخبر / إِنَّ العمدة عندنا وركن أَركان حُجِّيَّة الخبر؛ والسُّلَّم الَّذي يُرتقىٰ ويُعرج به في عَالَم المعاني ـ سوآء أَكان ذلك في علم الفروع أَم في علوم المعارف الإِلٰهيَّة(1) وجملة العلوم الدِّينيَّة والشَّرعيَّة ـ لا يكمن في حُجِّيَّة صدور الخبر وسنده(2) وإِنْ كان متواتراً (3)؛ ولا في حُجِّيَّة دلالته وإِنْ كانت صريحة وقطعيَّة ـ فإِنَّ هذه الحُجَج لا تؤمِّن إِلَّا لقلقة الأَلفاظ، أَمَّا المعاني فلا(4) ـ وإِنَّما يكمن في المتن. والمراد من حُجِّيَّة المتن ليس حُجِّيَّة الدلالة، وإِنَّما المراد: نفس نظام المعلومات المودعة في متن الخبر، فيدرس الفقيه أَو الباحث ذلك المتن والمضمون ـ بغض النَّظر عن الدَّليل ودلالته وصدوره وسنده وجهته؛ والكتاب الَّذي وَرَدَ فيه المتن والمضمون ـ ويعَرَضَه على مُحْكَمات الكتاب الكريم، ومُحْكَمات السُّنَّة القطعيَّة، ومُحْكَمات وبديهيَّات العقل، ومُحْكَمات وبديهيَّات الوجدان الَّتي لا يختلف عليها وجدان بشر، ويوزنه مع منظومة معادلات وقواعد الدِّين والشَّريعة، فإِذا أَورث له ذلك العَرَض: القطع واليقين بمطابقة هذا المتن والمضمون لتلك المُحْكَمات كانت حُجِّيَّة ذلك المتن وحيانيَّة ذاتيَّة. وهذا هو أَعظم ميزان وضابطة قُرِّرَت في بيانات الوحي لحُجِّيَّة الخبر. ثُمَّ إِنَّ صحَّة وحُجِّيَّة المتن والمضمون ليست من شأن الرواة بما هم رواة، وإِنَّما هي من شأن الفقهاء المُتضلِّعين في فقه الفروع، وفي عِلْمِ الكلام، وعِلْمِ العقائد والمعارف الإِلٰهيَّة، وعِلْمِ الأَخلاق والآداب(5) والنظام الرُّوحي والأَخلاقي والآدابي الدِّيني، وعِلْمِ التَّفسير، وعِلْمِ السِّيَر، وغيرها. بخلاف صحَّة السَّنَد وحُجِّيَّته؛ فإِنَّه يمكن معرفتها من قِبَلِ عامَّة النَّاس، وتدور مدار الحافظة، كما أَشارت إِلى ذلك بيانات الوحي، أَمَّا حُجِّيَّة المتن والمضمون فتحتاج إِلى حصول مطابقة ـ المتن والمضمون ـ لأُصول وقواعد الشرع والدِّين، وهذه ليست من اِخْتِصَاص إِلَّا الفقيه المُتضلِّع في شَتَّىٰ العلوم الشرعيَّة والدِّينيَّة؛ فصحَّة المتن والمضمون لا تدور مدار فقاهة الفقيه فحسب، بل وتضلُّعه في كافَّة العلوم الشَّرعيَّة والدِّينيَّة. إِذَنْ: صحَّة المتن والمضمون تتطلّب فقاهة وتضلُّع الفقيه بذلك الْعِلْمِ الَّذي يختصُّ به ذلك المتن والمضمون، فلو لم يكن للفقيه باعٌ بالْعِلْمِ الَّذي يختصُّ به المتن والمضمون فَمِنْ أَين يعرف صحَّة وحُجِّيَّة ذلك المتن والمضمون وعدمها. وهذا بحث تصوِّري وتصديقي لا يتوقَّف على حُجِّيَّة صدور الخبر وسنده. وهذه القضيَّة ـ أَي: التعامل مع حُجِّيَّة المتن وعَرَضَه على مُحْكَمَات الشَّرع والدِّين ـ ليست خاصَّة بمدرسة الإِماميَّة، بل شاملة لكافَّة مدارس ومذاهب المسلمين. هذا هو المذهب والمنهج الْعِلْمِيِّ لمشهور طبقات الفقهاء، ومشهور علماء مدرسة الإِماميَّة، بل ومدارس العامَّة، كما نقل ذلك الشَّيخ الأَنصاري في رسائله، ومن أُولئكَ الفقهاء والعلماء: الشَّيخ المفيد، والسيِّد المرتضىٰ، وابن البرَّاج، والحلبيُّون، والكشي، وابن الغضائري ـ الابن ـ، والنجاشي، وابن إدريس، وابن زهرة، والمُحقِّق الحلِّي، بل والشَّيخ الطُّوسي وإِنْ اختلف مبناه قليلاً. ويُعبَّر عن هذا المنهج بـ: (دراسة المتن ومحوريَّة المُحْكَمَات). لكنَّه منهج مهجور ومُغَيَّب في العصر الراهن. وقد أَطلق الشَّيخ المفيد والمُحقِّق الحلِّي عنوان الحشويَّة والقشريَّة على مَنْ يجعل السند والطَّريق الرُّكن الرَّكين في حُجِّيَّة الخبر، لكن هذا لا يعني أَنَّه لا دور للسند والطَّريق في حُجِّيَّة الخبر، بل له دور لكنَّه ليس هو الرُّكن الرَّكين، ولا يؤمِّن إِلَّا لقلقة الأَلفاظ، أَمَّا المعاني فالَّذي يُؤمِّنها ويُؤمِّن الْاِنْطِلَاق إِلى العمق هو المتن بتوسُّط أَلفاظ الوحي. ولك أَنْ تقول: إِنَّ الْاِقْتِصَار على النقل منهج المبتدئِين، وطمع الباحث عن الحقيقة لا يكون إِلَّا في الفهم العقلي بالنَّقل، والْعِلْمِ العقلي المُنظَّم للنَّقل، ولا يتمُّ إِلَّا من خلال البرهان والْعِلْمِ والنُّور المُستفاد من الإِشارات الإِرشاديَّة للمُقدِّمات الْعِلْمِيَّة اليقينيَّة الموجودة في متون بيانات الوحي الإِلٰهيّ الطَّاهرة الباهرة. وصلى الله على محمد واله الاطهار . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) يجدر الاِلتفات: أَنَّ المعارف والعقائد الإِلٰهيَّة حقائق تكوينيَّة من أَكوان وعوالم غيبيَّة صاعدة. (2) ضعف الطَّريق واعتباره لا دخالة له في تحصيل البرهان من المتن والمضمون. (3) التَّواتر السندي لا ينفع في أَبحاث العقائد، لأَنَّه يُورث اليقين الحسِّي، والمطلوب في أَبحاث العقائد تحصيل اليقين العَقلي، وفيه ـ اليقين العقلي ـ لا يُفرَّق بين الرواية المتواترة والضعيفة سنداً، لأَنَّ البيان والبرهان العقلي المُستفاد من المتون والمضامين هو المطلوب في هذه الأَبحاث. ويُضاف إِليه: أَنَّ الخبر المُتواتر سنداً قد يكون متنه ظنِّيّ الدلالة فعاد إِلى الظَّنِّ، وهو لا ينفع في أُسس وأُصول العقائد. فالتفت. ثُمَّ إِنَّه يجب على مَنْ ليس له بَاعٌ عَقْلِيٌّ في أَبحاث العقائد ترك أَبحاث هذا الباب، ولا يلجه ولا يتصدَّىٰ إِليه، وليترك المجال لمن له الأَهليَّة في ذلك. (4) ينبغي الاِلتفات: أَنَّ لقلقة ودغدغة المعاني ـ فضلاً عن الحقائق ـ غير لقلقة ودغدغة الأَلسن. وكذا حفظ المعاني فضلاً عن حفظ الحقائق فإِنَّهما غير حفظ الأَصوات. (5) ينبغي الاِلتفات: أَنَّ الأَدب والخُلق وجهان لحقيقة واحدة، غاية الأَمر: أَنَّ الخُلق هيئة نفسانيَّة، والأَدب هيئة بدنيَّة، وبينهما ترابط؛ فالأَدَب الصَّالح هيئة بدنيَّة نابعة من الخُلق الصَّالح، والأَدب الطَّالح هيئة بدنيَّة أَيضاً، لكنَّها نابعة من الخُلق الطَّالح. إِذَنْ: الفارق بين الآداب والأَخلاق: أَنَّ الأَخلاق هي: الصِّفات والهيئات النَّفسانيَّة، أَمَّا الآداب فهي: الهيئات البارزة على السلوك العملي الجارحي، وهي انعكاسات عن تلك الصِّفات والهيئات النفسانيَّة؛ فهي هيئات عارضة على الأَعمال الجوارحيَّة منبعثة عن الصِّفات والهيئات النَّفسانيَّة. وبالجملة: الآداب أُمور محسوسة تُرىٰ بالعين المُجرَّدة؛ كآداب لمائدة والحمَّام وما شاكلها، بخلاف الأَخلاق؛ فإِنَّها لا تُرىٰ ولا تُلمس باليد. والأَدب إِنْ كان سيئاً يكشف عن خُلقٍ سيء، والخلق السيء يكشف عن نقصٍ في المعرفة على أَقلِّ تقدير